-

بقلم عبد العزيز القاطري: الشّــرطة العــدليّة، كفــى تلاعبــا بالدّولــة

فــي إطــار المفــاوضات-المســاومات لتكــوين الحكــومة، طــالب حزب التّيــار الدّيــمقراطي بإسنــاده وزارات العــدل والدّاخليّــة والــوظيفة العمــومية. وقد ذهب في ظنّــي وفـي ظنّ البعــض أنّهــا طريــقة أخــرى للتّملص من المشــاركة فــي الحكومة  لأنّ التّيــار بنــى حملته الانتخــابية علــى معــارضته الشّديــدة لسيــاسات النّهضة وتوجّهــاتها، ولأنّه لا يخطــر ببال عــاقل أن حركة النّهضة تفرّط فــي وزارة الدّاخلية كهيــكل تمكّنت منذ أن سيطرت عليه من مسك ملفّــات عن كل خصــومها بفضــل خزيــنة معلــوماته، وهو مــا يفسّــر انبطــاح جميــع مكوّنــات ما يسمّــى بالعــائلة الوسطية الحداثية…أمامها.

لكن للضّــرورة أحكــام، حيث أصبح من الضّروري الحصــول علــى أصــوات نواب التّيــار لتمريــر الحكــومة المنتظرة للجملي، والضّــرورة اقتضت مراودة التّيــار عن نفسه بالتّفــاوض معه حــول شروطه التــي كنّــا نحسبها خيــالية. وبمــا انّه من غير المقبول تسليــم وزارة الدّاخلية إلى شخص “غير مضمــون” مثل عبّو الــذي أظهــر عدم انضبــاطه للنّهضــة ســابقا عندمــا منحته خطّة وزير لدى رئيــس الحكومة مكلف بالإصلاح الإداري في حكــومة الترويكا الأولى برئــاسة حمّــادي الجبــالي، فقد تفتّحت قريــحة الحزب الأول في الإنتخــابــات علــى مقتــرح جهنّمي لإرضــاء الفتــى الضّــال، وهي منحــه وزارة العــدل وشطــرا من وزارة الدّاخلية ممثّلا في إدارة الشّــرطة العدلية، مع تغييــر اسمها لتصبح إدارة الشّــرطة القضــائية وإلحــاقها بوزارة العــدل. وبمــا أن للجمــاعة تــاريخا تليــدا في تفكيــك مؤسّســات الدّولة ببعث مصالح الشرطة البيئية والشرطة الجبــائية (بالجدوى التــي نعلمهــا جميــعا)، فلن يضيرهم قطع خطوة أخرى بهذا الإتّجــاه.

وبصفتــي مــواطنا تونسيّــا حمل صفة الضّــابطة العدلية طيــلة 31 سنة، فإنّه أصبــح لزاما عليّ أن أدق نــاقوس الخطــر أمــام ما يحــاك من مخطّطــات هؤلاء الهــواة غير المسئــولين وما أصبحــوا يمثلــونه من خطــر حقيــقي على الدّولة.

فلئـن نصّ الفصــل 4 من الأمر عدد 342 لسنة 1975 مؤرخ في 30 ماي 1975 المتعلق بضبط مشمولات وزارة الداخلية عــلى أنّ وزارة الداخلية بوصفها مسؤولة عن المحافظة على النظام العام في كامل تراب الجمهورية مكلفة خاصة بتوجيه نشاط عدّة مصــالح أمنيّة نخصّ بالذّكــر منهــا الشرطة العدلية، فقــد أسند الفصل 10 من مجلّــة الإجــراءات الجــزائيّة صفــة الضّــابطة العــدليّة إلــى محــافظي الشرطة وضباطها ورؤساء مراكزها وإلــى ضباط الحرس الوطني وضباط صفّه ورؤساء مراكزه، مــوضّحا أنّهــم يباشرون وظائف الضابطة العدلية تحت إشراف الوكيل العام للجمهورية والمدعين العموميين لدى محاكم الاستئناف، كل في حدود منطقته.

وقد اعتبــرهم الفصــل 11 من نفــس المجــلّة مساعدين لوكيل الجمهورية، لهم في الجنايات والجنح المتلبس بها ما له من السلط، عليهم أن يعلموه حالا بما قاموا به من الأعمال، وليس لهم فيما عدا ذلك إجراء أي عمل من أعمال التحقيق ما لم يكونوا مأذونين بإجرائه بإذن كتابي.

بهــذا يتّــضح بمــا لا يــدع مجــالا لأدنــى شكّ أن مصــالح الشّــرطة العدليّة وإن كــانت تخضع هيكليّــا وإداريّــا إلى وزارة الدّاخليّة، فإنّ منظــوريــها يخــضعون وظيــفيّا فــي أعمــال التّحقيــق والإجراءات إلــى وزارة العــدل عن طــريق وكلاء الجمهــورية، يأتمــرون بأوامرهــم ولا يحقّ لهــم اتّخــاذ أي إجــراء يتعلّــق بمجــريات التّحقيــق دون إذن من النيــابة العمــومية. لذلك، ليس هنــاك دواعــي لإلحــاق هذا الهيــكل بــوزارة هو يتبــعها فــي وظيــفته الأصليّة.

من جهة أخرى، تعتمد مصــالح الشّرطة العدليّة في آداء مهــامّها على عدّة مصالح أخــرى تابعة لوزارة الدّاخلية منها الشرطة الفنية والشرطة الإقتصادية وشرطة الحــدود والأجــانب وحتّــى مراكز الأمــن العمــومي، ويتــمّ التـعــامل اليــومي بيــن تلك الإدارات دون الضــرورة للــرجوع للقيــادة بناء علــى التّنظيــم العــادي للعمــل صلبهــا، بينــما يحتــاج التعــامل بين المصــالح التّــابعة لهيــاكل وزارية مختلفة إلــى إجــراءات خــاصّة تعتمد علــى المراسلات والتّســاخير، مثلمــا هو معمــول به مثلا بين مصــالح الديــوانة وشــرطة الحــدود والأجــانب بخصــوص مطــالب التّحركــات وتســاخير التفتيــش. فهل سنصبح فــي دولة تتعــامل فيــها الشرطة “القضــائيّة” بالتّســاخير لطلب تحديـد الهويّة أو التّعــرف على البصمــات أو التّحــاليل البــالستيّة من الشرطة الفنية مثلا؟

كلّ هذا دون اعتبــار المســائل اللــوجستية المشتركة كالمقرات والوســائل الدّارجة والمنظــومات الإعلامية التي يجب تفكيكها بين وزارتين.

لذا، نقــول للجميــع: إرفعــوا أيديــكم عن الدّولة، أنتم لم ولن تخترعــوا العجلة، دعوا نهمكم للسّلطة جــانبا، وكفانا من حكــومات الهــواة والّلامسئوليــن.

  بقلم عبد العزيز القاطري

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى