مجتمع

بقلم العميد المتقاعد من الجيش الوطني عمار الودرني: لا انقلاب ولا هروب .. بن علي تم ترحيله قسرا بقرار خارجي لإنتهاء صلوحيته

بقلم العميد المتقاعد من الجيش الوطني عمار الودرني:

ونحن على أبواب الذكرى العاشره ل14 جانفي2011 تاريخ رحيل الرئيس السابق زين العابدين بن علي رحمه الله، أتناول حقيقة الحدث بمقاربه موضوعيه في إطار سياق ما يشهده العالم من تغييرات وتحولات مترابطة ومتفاعله وطنيا وإقليميا ودوليا للإفادة وإنارة الرأي العام بالمعلومة سوى للإثراء أو لتصويب ما سيرد، ولن أذكر الأسماء لأن ذلك من مشمولات القضاء وحده يوم يفتح ملف الحدث.كما لا للتجاوز اللفظي وتحياتي مع ألشكر مسبقا…

إن الجرائم السياسية الكبرى سواء محليا أو إقليميا أو دوليا تحاط بهالة من التعتيم للتظليل عن الحقيقه الكاملة وفتح الأبواب للتأويلات والتصورات والتجاذبات والتهم المتبادلة، وحتى لانتحال الصفات البطولية الوهمية ومنح البطولات الكاذبة والزائفة لتعويم القضية في الغموض والتستر عن الفاعل الحقيقي لاعتبارات عدة..

مازالت كيفية رحيل بن علي مساء 14 جانفي 2011 يكسوها الغموض وسأحاول أن أقربكم لحقيقة الحدث وملابساته لوضع حد للتصورات والتخيلات وادعاء البطولات الكاذبة لأن يوم 15 جانفي 2011 أصبح لحظة فارقة في مسار الحراك الشعبي ومن يومها بدأت خيانة الوطن والتآمر عليه في مشهد عام “غيب يا قط ألعب يا فأر” و”إذا خلى لك ألجو فرخي”.

1- جلالة الحقيقة

أ- الحدث المفاجأة :

حراك شعبي في أوج زخمه ذات مساء يوم 14 جانفي 2011 يستمع الجميع في تونس دون إستثناء (من المواطن إلى أعلى هرم السلطة من أعضاء الحكومة والنواب والمستشارين وقادة عمليات حفظ النظام ) إلى خبر عاجل من قناة الجزيرة القطرية مفاده أن “الرئيس بن على يستقل الطائرة الرئاسية ويغادر البلاد إلى وجهة غير معروفة”..

خبر أدخل الجميع في حيرة لضبابية الوضع والموقف مع تواتر أخبار وأحداث غير مطمئنة حتى إنبلج فجريوم 15 جانفي 2011 وجاء الخبر اليقين من صاحب القرار “الطائرة عائدة من السعودية بدون الرئيس بن علي”..

بن علي رحل قسرا ومنع من العودة بقرار خارجي وبتنفيذ زمرة وكلاء محدودين لكنهم نافذون من وراء الستار، وكل من يدعي من الجهات الرسمية إنه على علم أو له دور في ترحيل بن علي أو منعه من العودة هو غير صادق ومنتحل بطولة كاذبة فلا تصدقوه لأن القرار فوقي.

ب- جهة القرار:

لفهم قرار ترحيل بن علي لابد من قراءته في إطاره الإقليمي والدولي فهو قرار أمريكي نظرا لنهاية صلوحيته وهذا يدخل في إطار ملف متكامل لمشروع الشرق الأوسط الجديد الهادف لإعادة ترتيب المنطقة العربية باسم الربيع العربي والفوضى الخلاقة بأسلوب يسمى”إستراتجية إعادة الضبط العام” لنظام عالمي جديد من محاوره الرئيسية السيطرة التامة على المنطقة العربية كاملة وذلك بتفجير الصراعات الداخلية القطرية بتعلات مختلفة لوعود زائفة وتحريك ردود الفعل لخلق الصدام حتى الدمار ثم فرض الحلول المتمثلة في إختفاء دول وظهور دول جديدة وتنصيب أنظمة حكم جديدة استبدادية عميلة مطيعة لباعثها في كنف الوباء.

وهذا المشروع سائر التنفيذ بتدرج على مراحل حتى يبلغ مداه.

د- زمرة التنفيذ :

منفءو سيناريو 14 جانفي هم زمرة محدودة العدد من خارج دائرة الحكم لكنها نافذة من وراء الستار بواسطة أعوانها في مفاصل الدولة.

وأهم عناصر هذه الزمرة إثنان ممن خططوا وقادوا تنفيذ تحول 07 نوفمبر 1987 جعلوا بن علي يصعد لسدة الحكم وعادوا من جديد بتكليف خارجي لترحيله وفق مخطط محكم.

وما حقيقة الحدث إلا انقلاب وليس هروبا فبن علي رحل قسرا ومنع من العودة بقرار أمريكي بخطة محكمة الإعداد بكل متطلباتها.

وكان الحدث مفاجأ علم به الجميع دون استثناء في خبر عاجل من قناة الجزيرة القطرية وهذا له عدة دلالات.

2- علاقات بن على وأمريكا

أمريكا كان لها دور في صعود بن علي لسدة الحكم في 07 نوفمبر1987 لانه كان الرجل القوي الجاهز لاستلام السلطة وإنقاذ البلاد وحفظ العلاقة المتميزه التي تربط تونس بأمريكا رغم ما لفرنسا من نفوذ في تونس.

لكن مع مطلع سنة 2000 بدأ التوتر يتصاعد تدريجيا في علاقة بن علي بأمريكا بعدة أسباب بينها ما يتعلق بالسيادة الوطنية حيث رفض تلبية بعض الطلبات الامريكية المحرجة التي تمس بالسيادة الوطنية كقبول تمركز “أفريكا كوم” بتونس “مجمع قيادة القوات والعمليات الأمريكية الخاصة بإفريقيا”.

إلى جانب أسباب ترتبط بالوضع الإقليمي حيث رفضت تونس الانخراط في الحضر الشامل المفروض على ليبيا وكانت تونس المتنفس الذي أنقذ نظام الشهيد معمر القذافي.

هذا علاوة على أسباب مواقف قومية من ذلك معارضة تونس للحرب على العراق في 2003 والرفض القاطع لمساندتها والمشاركة فيها ولو رمزيا مع ثبات تونس على موقفها من القضية الفلسطينية.

ويضاف إلى الأسباب السابقة اختلال توازن التأثير والنفوذ بين أمريكا وفرنسا في تونس.

وقد أبدى بن على تعنتا تجاه أمريكا وعمد إلى أخذ مسافة منها والاحتماء بفرنسا عبر تقوية الإرتباط بها ما أثار حفيظة أمريكا ولن تدعه يمر.

وبناء على ما ذكر أعلاه بدأت أمريكا تفكر في إجراءات نهاية صلوحية بن علي ومن الإجراءات المتخذة للذكرلا للحصر، مارست عليه ظغوطات لثنيه عن الترشح للرئاسة سنتي 2004 و2009 لكنه لم يبالي.

كما انه منذ سنة 2004 قلصت أمريكا كل إعاناتها لتونس الى حد النصف، الى جانب توظيف قناة الجزيرة القطرية لفضح تجاوزات النظام في مجال الحريات وحقوق الإنسان وفتح منابرها للمعارضين، وحركت ضده المنظمات الحقوقية الدولية.

وكانت أمريكا قد بنت جملة من الاستنتاجات التي ستجنيعا من سقوط بن علي والتي من بينها ان سقوط نظام الشهيد القذافي لن يكون إلا برحيل بن علي وأن تونس هي الباب الذي يجب خلعه لتكون موطء قدم انطلاق الربيع العربي المزعوم بفوضاه الخلاقة وبالتالي لابد من إسقاط ألنظام وترحيل بن علي.

كما أنه لابد من تحجيم النفوذ الفرنسي المتغلغل في تونس وتحييدها في قيادة التغيير المبرمج.

3_ أهم إجراء وقائي لمنع أي محاوله انقلابية

تسعى أمريكا في تغيير أي رئيس مستهدف اكساءه شرعية شعبية بتحريك الشارع ثم تتصرف بما تراه مناسبا وهي قادرة على ذلك.

وعلى على عكس أمريكا فرنسا تعمد للإنقلاب أو الاغتيال لأنها غير قادرة على تحريك الشارع في مستعمراتها لانها مكروهه شعبيا وتاريخها في المجال أظلم مع بعض القادة الأفارقة من ذلك تدبيرها لاغتيال الزعيم “توماس سنكرا” رئيس بوركينا فاسو مرفوقا بانقلاب.

أمريكا توجست خطرا من فرنسا لما تخلت عن بن علي في آخر وقت ولقطع الطريق أمامها لتحريك “صبايحتها” لأي محاولة انقلابية لفائدتها نظرا لتغلغلها في مفاصل الدولة قررت الإيحاء لبن علي عن طريق مقربيه ان يشكل قيادة أمنية موحدة بمقر وزارة الداخلية تظم قادة الجيش وقادة الأمن الوطني الداخلي بكل فروعه لتسيير عمليات حفظ النظام وتم هذا يوم 14 جانفي2011 بداية من ألساعه 11.

وقد حقق هذا ألإجراء ثلاثة أهداف أولها فصل الجيش عن قيادته وبالتالي لا سبيل لأي إنقلاب، ودخول قادة الجيش للداخلية بما يمنع اي محاولة إنقلاب أمنيه، قم ان وجود الجيش والأمن مجمعين في قيادة موحدة هو رادع للحرس الرئاسي حتى لا يجرء ولا يفكر في محاولة انقلابية.

بهذا ألإجراء سدت المنافذ لأي محاولة اتقلابية من أي طرف وقطع الطريق أمام فرنسا و”صبايحتها” للقيام بأي شيء.

4- مجرى أحداث الترحيل

تم الترحيل وفق سياق متدرج مترابط الخطوات كالآتي :

-خطوة 1 :

تقوية زخم الحراك ألشعبي حتى يبلغ أشده وإفشال خطابي يوم 12و13 جانفي.

-خطوة 2 :

تركيز القيادة الأمنية الموحدة المذكورة أعلاه بمقر وزارة الداخلية لسد المنافذ لأي محاوله انقلابية.

-خطوة 3 :

تخويف وترهيب بن علي حيث تم إيهامه بأن حياته وأسرته في خطر بأخبار كاذبه منها وجود قطع عسكرية بحرية قبالة القصر وأن المروحيات تحلق حول القصر والمتظاهرون قادمون بأعداد كبيرة لاقتحام القصر الرئاسي وانه مهدد بالاغتيال من طرف أحد أفراد الحرس الرئاسي(هذا ورد على لسان محاميه أن الرئيس بن علي في مكالمة هاتفية أخبره بهذا التهديد الذي تعرض له).

-خطوة 4 :

الترحيل بعد الترهيب والتخويف وحبك الخدعة لإستدراجه خارج القصر ثم الدفع للصعود إلى الطائرة، وبعد ذلك تقوم قناة الجزيرة القطرية باعلام عموم التونسيين في خبر عاجل برحيل بن علي ثم إنزاله بالسعودية مقر النفي المعد مسبقا ثم منعه من العودة وإعلام عموم التونسيين وبذلك وقضي الأمر وأدخلت البلاد في النفق.

5- هل كان بإمكان الرئيس بن علي قلب المعادلة لصالحه

نعم كان بإمكان بن علي قلب المعادلة لصالحه لكنه لم يحسن لا التقدير ولا التصرف حيث سنحت له فرصتان لم يلتقفهما ويتدارك وتغلبت عليه نزوة حب السلطة في الفرصة الأولى وعدم الفطنة والخوف في الفرصة الثانية.

– الفرصة الأولى :

آخر خطاب له يوم 13 جانفي لم يكن موفقا بل ثبت خيار الشعب “إرحل” فلو كانت لديه حكمة لأعلن إنه سيستقيل بعد سنه من الآن وإعدادا لذلك سيكون حكومة وحدة وطنية تتولى إعداد كل متطلبات انتقال السلطة من تنقيح الدستور والقانون الانتخابي وقانون الأحزاب وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. كما كان بإمكانه التعهد بأنه سيحاسب كل من غالطوه وأذنبوا في حق الشعب.

فلو سلك هذا التمشي لخرج من الباب الكبير معززا مكرما كبطل وطني ويكون مثال يتبعه غيره من الحكام العرب، لكنه للأسف لم يحسن القرار ونزوة حب السلطة كانت خياره القاتل.

– الفرصة الثانية :

لما أخرج من القصر ودخل ثكنة الجيش بالعوينة في اتجاه الطائرة كانت أمامه فرصة ذهبية لقلب كل الموازين اذ لو كان فطنا لاحتمى بالجيش بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة واتخذ من الثكنة مقرا له ومركز قياظة يكون في كنف الأمن والأمان ويتوجه منها بخطاب تدارك للشعب التونسي ويعدل قراراته في نفس اتجاه ما كان يجب أن يقوله في الفرصة الأولى المذكورة أعلاه.

لكنه بالخوف وغياب الفطنة ضيع الفرصة على نفسه وعلى البلاد وقضي الأمر وتم ترحيله وأخرجوه صاغرا وأدخلوا البلاد في نفق مضن.

5- من جنى على بن علي ونظامه

“من يصلح الملح إذا فسد” باختصار بن علي جنى على نفسه حيث جاء للحكم صادقا لكن سرعان ما انحرف تدريجيا حتى آل للسقوط المدوي، فرغم إنجازاته الا أنه أخطأ كثيرا فهو لم يحكم بل مارس السلطة ومارسها بمسؤولين متسلطين قال عنهم”غلطوني وسأحاسبهم”.

كم أنه كان رهين وأسير نزوات زوجته وأصهاره الذين أفسدوا في البلاد وأرعبوا العباد، ولم يكن حكيما في معالجة الموقف المتفجر لتجنب مآله المأساوي ومآل البلاد الكارثي.

ثم إن التجمع الدستوري الديمقراطي كانت الغلبة فيه للإنتهازيين على حساب الشرفاء الصادقين. وقد إستفرد التجمع بالدولة واستبد وتسلط على العباد وحاصر الرئيس وسد أمامه منافذ الانفتاح وتطوير منظومة الحكم الى ان تم عزله عن الدساوريين البررة وعن القوى الوطنية الصادقة وغالطوه بالتقارير المضللة المزيفة لحقيقة الواقع المريض سياسيا واقتصاديا وحقوقيا وخدماتيا وكانوا يوهمومنه “إنه هو ولا أحد” وعندما جد الجد تخلوا عنه وتركوه يجابه مصيره لوحده إزاء حراك شبابي ومطالبه المشروعة التي كانوا ينكرونها في عنفوان عنجهيتهم وانفرط عقدهم طالبين النجاة.

كما الأجهزة الأمنية لم تكن أحسن حال من التجمع فكانت الغلبة فيها للقلة الأشرار على الأغلبية الشرفاء، حيث كانت الاجهزة الأمنية ذراع التسلط والردع كما انها لم تكن ذات مصداقية في تقاريرها للإصداح بحقيقة الواقع السياسي والاجتماعي والحقوقي والخدماتي لدق ناقوس الخطر حتى ان بن كان يقصد كبار مسؤولي الأمن بقوله “غلطوني”.

6- الخلاصة

عين الحقيقة قالها ذات مرة المرحوم الباجي قائد السبسي سيد العارفين بحقائق الأمور في معالجة قضية قال” المعلم الكبير ما إحبش”. إنه المعلم الكبير سيد العالم يأمر وينهي ويعاقب ويجازي ويعزل وينصب.. فبحيث إنها أمريكا قررت وخططت ونفذت فلا انقلاب ولا هروب إنه ترحيل لإنتهاء الصلوحية وكان الجميع دون إستثناء “كالأطرش في الزفة” حتى أعلمتنا قناة الجزيرة القطرية في خبر عاجل بالمغادرة ثم بعودة الطائرة بدون بن علي الذي استقر في منفاه حتى وافاه الاجل رحمه الله .

ومن يدعي البطولة في إسقاط بن علي غير شباب الحراك و”المعلم الكبير” على قول بجبوج لا تصدقوه فهو مدعي باطل ومنتحل صفة ومراود للشهرة كذبا. خيانة الوطن بدأت من صبيحة 15 جانفي 2011 وهي متواصلة وتحولنا من من دولة نظام دكتاتوري إلى دولة لوبيات فساد تتعايش وتتقاسم السلطة وأسقطت كل استحقاقات الحراك المطلوبة وخسرنا الدولة والثورة معا.

ولا عاش في تونس من خانها

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى