عالمية

على غرار تونس..الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من أزمة في السكر !

ترتبط عطلة نهاية السنة وعيد الميلاد في الولايات المتحدة الأمريكية بانتشار مظاهر الزينة والاحتفال، وعرض الحلوى بمختلف أنواعها في المحلات، إلاّ أنّ شركات الحلوى الأمريكية لا تشعر بأي فرحة مع دخولها واحدة من أصعب السنوات التي يمر بها سوق السكر في الذاكرة الحديثة.

*أزمة غير مسبوفة في قطاع السكر:

بلغت أسعار العقود الآجلة للسكر في الولايات المتحدة، أرقاما قياسية، خلال هذه الفترة من السنة الحالية، وذلك بسبب تواصل الجفاف في المكسيك ولويزيانا، اللتين تعتبران من أكبر منتجي قصب السكر. وهو ما جعل الشركات المصنعة للحلويات تعاني من نقص كبير في الإمدادات، وتلجأ إلى واردات باهظة التكلفة. حيث أنّهم يفضلون تحمّل تكاليف ارتفاع مادة السكر مقابل أن يتقبل المستهلك الزيادة التي سيتم اقرارها في الأسعار.

*التأثير الاقتصادي:

تعدّ صناعة الحلوى من بين القطاعات الأساسية في الولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن تصل مبيعات التفصيل إلى 48.8 مليار دولار هذا العام، وفقا لمجموعة البحث حول المستهلكين “يورومونيتور إنترناشيونال”. وفي ظلّ وجود حوالي 1600 موقع لانتاج الحلوى في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ هذه الصناعة توفّر أكثر من 200.000 موطن شغل، وذلك وفقا لتقديرات جمعية الحلوانيين الوطنية، مع أكثر من ضعف هذا العدد في الأدوار غير المباشرة، مثل الموردين.

*ارتفاع تكاليف الغذاء:

شهدت تكاليف الأغذية ارتفاعا ملحوظا نتيجة تسجيل اضطراب في سلسلة التوريد ونقص اليد العاملة الذّي خلفته جائحة كورونا سنة 2020. وسجّلت أسعار الحلويات ارتفاعا خاصا، حيث زادت أسعار الاستهلاك بنسبة 13.4٪ خلال السنة الجارية، إلى حدود الـ25 من نوفمبر الفارط تحديدا، متجاوزة بذلك الارتفاعات الإجمالية في أسعار المواد الغذائية.

*تأثير خاص على سوق السكر في الولايات المتحدة:

على الرغم من التضخم العالمي، فإن سوق السكر في الولايات المتحدة يتأثر بشكل خاص بسبب التشريعات الحمائية الخاصة به. حيث تحدّ هذه القواعد من حجم المبيعات المحلية وكمية الإمدادات الأجنبية التي يمكن استيرادها برسوم منخفضة. كما تُخضع جميع واردات السكر الأخرى إلى ضرائب أعلى.

*تحدي تنظيمي:

تتعرّض القواعد، التي تهدف إلى حماية أرباح منتجي السكر الأمريكيين وتجنب إغراق السوق الأمريكية بالسكر من قبل الدول الأخرى، إلى انتقادات واسعة وذلك بسبب عدم مرونتها في مواجهة احتمال انخفاض الإنتاج المحلي. ويشير تقرير صدر عن مكتب المحاسبة الحكومية في أكتوبر الفارط  إلى أن هذه القواعد تتسبب في  خسارة اقتصادية صافية يمكن أن تصل إلى 1.6 مليار دولار سنويا.

*اضطراب في الواردات بالأرقام:

تعدّ واردات الولايات المتحدة لمادة السكر من المكسيك، وهي التي تتمتع بمعاملة تفضيلية، ويُسمح بها ضمن حدود حصص الدول الأخرى، كافية لتلبية الطلب الأمريكي. إلاّ أنّ هذه الواردات شهدت انخفاضا لتبلغ أدنى مستوى لها في نوفمبر الفارط، منذ السنة المالية 2011 على الأقل، وذلك وفقا لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية.

*نحو رسوم جمركية عالية على الواردات:

دفع النقص المسجّل في مادة السكر المشترين إلى اللجوء إلى الواردات ذات التعريفات الجمركية المرتفعة، حيث يتم فرض ضرائب أكبر عليهم عند تجاوز الحصص. وتتوقع وزارة الزراعة الأمريكية أن تقترب هذه الواردات الأكثر تكلفة، من الأرقام القياسية التّي تم تسجيلها بعد إعصار كاترينا وريتا في سنة 2005، والذي دمر الكثير من محاصيل قصب السكر في لويزيانا.

*هل ستتولى شركات الحلويات المسؤولية؟

ستمثّل إعادة تفويض مشروع قانون الزراعة في عام 2024 للمدافعين، فرصة للدعوة إلى إجراء تغييرات في تحديد حصص الواردات المستقبلية. ومع ذلك، فإنّ بعض شركات صناعة الحلويات لا تزال متخوّفة نتيجة الإخفاقات السابقة في إصلاح العملية، فبالإضافة إلى زيادة الأسعار، تتطلع بعض الشركات إلى تثبيت تكاليف التوريد في وقت أبكر مما كان متوقعا.

*خيار تغير المكان:

في صورة ما إذا تواصلت المشاكل في قطاع السكر، فقد تفكر المزيد من الشركات في نقل إنتاجها إلى مكان آخر. على غرار ما حصل في السابق، حيث قرّرت شركة سبانغلر سنة 2019، نقل إنتاج بعض الحلوى من بوسطن إلى المكسيك. ويعوض التشغيل الآلي الأفضل في الولايات المتحدة ارتفاع تكاليف السكر، مما يجعل تكاليف الإنتاج متشابهة في البلدين.

*تحديات للشركات الصغيرة:

على الرغم من نمو الشركات الكبيرة في مجال الحلوى بفضل الطلب القوي من قبل المستهلكين، إلا أن ارتفاع تكاليف المواد الخام تؤثر على الشركات الصغيرة. حيث انخفضت العقود الآجلة للسكر الخام في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية في نوفمبر الفارط، ولكنها تظل قريبة من ضعف المستويات التي كانت عليها قبل عشرة سنوات.

*قلق ومخاوف المستهلكين:

عندما ينعكس ارتفاع تكاليف المواد الخام على المستهلكين من قبل الشركات المصنعة، هناك دائما خطر انخفاض مبيعات التجزئة. وحتى الآن، انخفضت مبيعات الوحدات في فئة الحلوى بنسبة 0.5% فقط خلال السنة الماضية، وفقا لآخر الاحصائيات. وهو ما يشير إلى أنّ المستهلكين ما زالوا على استعداد للإنفاق على الكماليات الصغيرة مثل الحلويات، حتى بأسعار مرتفعة.

*التداعيات على قطاعات أخرى:

تؤثر مشاكل السكر أيضا على قطاعات أخرى، على غرار المخابز والمقاهي، حيث تسعى بعض المخابز التجارية إلى تأمين عدة موردين لتقليل المخاطر المتعلقة بسلسلة التوريد، وفقًا لجمعية الخبازين الأمريكية.

*تكاليف غير معوضة بشكل كاف:

خلال العام الماضي، زادت مؤسسة “جونيورز بروكلين” أسعارها بنسبة 12% لتعويض التكاليف جزئيًا، ولكن ذلك لم يكن كافيًا، خاصة مع انخفاض الهوامش إلى النصف منذ وباء كورونا. ووفق افادة صاحب المؤسسة “آلان روزن” فإنّه لا بديل عن السكر في مقادير وصفة كعكة الجبن التي يبلغ عمرها 73 عامًا.

ختاما يمكن القول بأنّ أزمة السكر في الولايات المتحدة، التّي توضحها هذه الأرقام  تُسلّط  الضوء على التحديات التي تواجهها شركات صناعة الحلويات، والتبعات الاقتصادية واستراتيجيات التكيف في مواجهة هذا الواقع الحلو الذي أصبح مريراً.

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى